11/03/2025 20:07:35
الاخبار الاحوازیه
القوة الناعمة القاسية: حين تسُقِط العقوبات ما لا تسُقِطه الدبابات قراءة في زمن الجيو-اقتصاد
#صوت_الأحواز #الجبهة_العربية_لتحرير_الأحواز
بقلم: ناصر ابوشيخة : باحث في الشأن_الإيراني_الاحوازي
الجيو-اقتصاد: كيف أصبح الاقتصاد سلاح الهيمنة الجديد في العالم؟
في عالمٍ تتغير موازين القوة فيه بسرعة، لم تعد الحروب تحُسم بالصواريخ والطائرات فقط، ولم تعد الجيوش وحدها تحدد مصير الدول.
لقد دخل العالم مرحلة جديدة من الصراع أطُلق عليها "الحروب الاقتصادية"، وأصبح سلاح الاقتصاد أكثر تأثيراً من القوة العسكرية التقليدية. هنا ظهر مفهوم الجيو-اقتصاد ، الذي يعني استخدام الأدوات الاقتصادية كوسيلة ضغط ونفوذ في السياسات الدولية.
الجيو-اقتصاد ليس مجرد مصطلح أكاديمي أو مفهوم نظري، بل أصبح واقعاً يحدد شكل العلاقات بين القوى الكبرى.
فعلى سبيل المثال، لم تطلق الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي رصاصة واحدة على روسيا بعد حربها في أوكرانيا، بل فرضوا عليها سلسلة من العقوبات الاقتصادية شملت البنوك والطاقة والتجارة الدولية. هذه العقوبات لم تكن بهدف اقتصادي بحت، بل لتحقيق أهداف سياسية وجيوسياسية واضحة:
إنهاك روسيا والحد من قدرتها الاستراتيجية على الاستمرار في الصراع.
الأمرنفسه ينطبق على إيران، التي تخضع منذ سنوات لعقوبات اقتصادية خانقة تستهدف برنامجها النووي ونفوذها الإقليمي. فالعقوبات هنا ليست مجرد قيود مالية، بل أداة لإجبار طهران على تقديم تنازلات سياسية. هذا يوضح أن الجيو- اقتصاد أصبح شكلاً جديداً من أشكال القوة الناعمة التي تمارس تأثيراً مباشراً دون تدخل عسكري.
كما تأتي الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة لتؤكد هذا المنظور، فالصراع بينهما هو صراع على قيادة الاقتصاد العالمي. فرضت واشنطن قيوداً على التكنولوجيا الصينية وشركات مثل "هواوي"، بينما ردت بكين بسياسات
اقتصادية مضادة.
هذا الصراع لا يدور على الأرض، بل في الأسواق وسلاسل التوريد والتجارة الدولية، ما يعكس تحول الاقتصاد إلى ساحة صراع عالمية.
كذلك فإن الطاقة أصبحت أحد أهم أدوات الجيو-اقتصاد.
فقد استخدمت روسيا الغاز الطبيعي كورقة ضغط على أوروبا، بينما استخدمت الدول العربية النفط تاريخياً كوسيلة تأثير دولي، خاصة في أزمة النفط عام 1973. هذا يعني أن الدول لم تعد تسعى فقط إلى حماية حدودها الجغرافية، بل إلى تأمين نفوذها عبر السيطرة على الموارد.
باختصار، يمكن القول إن الاقتصاد اليوم أصبح «القوة الخفية» التي تحرك السياسة الدولية، وأصبحت الأسواق والبورصات والبنوك أدوات صراع لا تقل خطورة عن حاملات الطائرات. لقد تغيّر العالم، ومن لا يمتلك قوة اقتصادية لن يكون قادراً على حماية سيادته أو الدفاع عن مصالحه.
الجيو-اقتصاد… السلاح الذي لم يستخدمه الأحوازيون بعد
في عالم لم يعد يعترف إلا بلغة المصالح، لم يعد الخطاب السياسي التقليدي وحده قادراً على إحداث التأثير أو كسب التعاطف الدولي مع القضايا العادلة.
لقد تغيّر ميزان القوة في العلاقات الدولية، وانتقلت أدوات التأثير من الشعارات الأيديولوجية إلى لغة الاقتصاد والاستراتيجيات الجيو-اقتصادية. وفي خضم هذه المتغيرات، تبدو القضية الأحوازية في حاجة ماسة إلى إعادة صياغة خطابها السياسي ليكون أكثر تأثيراً وواقعية، ويواكب التحولات في منطق القوة وأدوات التأثير العالمية.
فالقضية الأحوازية ليست مجرد قضية إنسانية أو حقوقية، بل هي في جوهرها قضية جيو-اقتصادية ترتبط بموازين الطاقة والاستقرار الإقليمي والأمن الاقتصادي العالمي.
يحوي إقليم الأحواز احتياطات طاقة هائلة، حيث يقُدَّر أنه يحتوي على أكثر من 80% من احتياطي النفط والغاز الإيراني، فضلاً عن ثرواته الزراعية والمائية وموقعه الجيوستراتيجي على الضفة الشرقية للخليج العربي. ورغم هذه الأهمية، ظل الإقليم يعاني من التهميش والحرمان والاستغلال الاقتصادي، ما جعله عنواناً للظلم وموضعاً للصراع بين الهوية والسيطرة السياسية.
إن أهمية تبني خطاب جيو-اقتصادي أحوازي تكمن في أنه يغيّر زاوية تناول القضية على المستوى الدولي. فبدلاً من تقديمها فقط باعتبارها قضية شعب يعاني من الاضطهاد، يجب طرحها كملف استراتيجي يرتبط بأمن الطاقة العالمي وتوازنات الشرق الأوسط. حينها فقط يمكن للصوت الأحوازي أن يجد طريقه إلى مراكز صنع القرار الدولية، لأن القوى الكبرى لا تتحرك بالعواطف، بل بالمصالح.
إن ربط استقرار الأحواز بأمن الطاقة العالمي سيجعل العالم يدرك أن تجاهل حقوق الشعب الأحوازي لا يشكّل ظلماً إنسانياً فحسب، بل يخلق بيئة قابلة للاضطرابات تؤثر على إمدادات النفط والغاز والأسواق العالمية.
كما أن إبراز إمكانات الإقليم الاقتصادية يمكن أن يفتح الباب أمام رؤية تنموية بديلة تقوم على العدالة والاستثمار والشراكات الدولية، بدلاً من سياسات الإقصاء والسيطرة.
ختاماً، إن نجاح الخطاب الأحوازي اليوم مرهون بقدرته على التحوّل من خطاب رد الفعل إلى خطاب المبادرة، ومن خطاب الشعارات إلى خطاب الاستراتيجية.
ومن يفهم لغة المرحلة يعرف أن الاقتصاد اليوم هو أقوى أدوات التأثير السياسي، لذلك، فإن تبنّي خطاب جيو-اقتصادي ليس خياراً فكرياً فحسب، بل هو ضرورة نضالية لإيصال الحقيقة الأحوازية إلى العالم بلغة يفهمها العالم.
مراجع:
• Luttwak, E. (1990). From Geopolitics to Geo-Economics. The National Interest.
• Baldwin, D. (1985). Economic Statecraft. Princeton University Press.
• U.S. Department of Treasury – Reports on Economic Sanctions (2023).
